" القبر الأحمر " شهادة لأحد المعتقلين المفرج عنهم حديثاً من سجن صيدنايا التابع لنظام الأسد

2015-09-23

مأساة صيدنايا " القبر الأحمر " 
 

شهادة المعتقل السابق ( عبد الله الشامي) عن سجن صيدنايا وآليات التعذيب فيه والذي أفرج عنه منذ قرابة الستة أشهر..

تاريخ أخذ الشهادة : 1/7/2015

 

يقول عبد الله:

لابد من الإشارة قبل البدء بنشر تفاصيل عن المأساة التي يعيشها المعتقلون في صيدنايا بأن الأسرى والمعتقلين في هذا المعتقل هم من كافة محافظات ومناطق القطر، ومن جميع أطياف وطوائف ومذاهب ومكونات الشعب السوري أقلياته وأكثريته،الأمر الذي يتضح معه أنّ :
1- نظام الأسد لا يهتم بشؤون الأقلية ولا بشؤون الأكثرية، وإنّما همّه الأوحد هو المحافظة على ذاته وبقائه على رأس السلطة ولو لم يبقى في سوريا سوى الجلب الأفغان والايران ....
2-جميع مكونات وشرائح المجتمع السوري معنيون على حدٍ سواء بالتّخلص من هذا النظام الفاشي القاتل من جهة، ومعنيون بالدعاء لأبنائهم فلذات أكبادهم ذكوراً وإناثاً المعتقلين في صيدنايا خاصة وباقي السجون والمعتقلات عامة بالفرج العاجل ورفع البلاء عنهم من جهة أخرى .
وعليه فقد حاولت أن أسرد تفاصيل مأساة المعتقلين في معتقل صيدنايا الأحمر بأسلوب مبسّط أبيّن فيه حياة البؤس والشقاء والحرمان والعذاب والتعذيب والمرض والجوع والعطش والبرد التي يكابدها هؤلاء المعتقلون عبر مراحل التعذيب المادي والمعنوي التي يخضعون لها طيلة مدة اعتقالهم ، وهي على أربع مراحل :
*الأولى مرحلة ما قبل الوصول الى صيدنايا .
*الثانية مرحلة الوصول الى صيدنايا .
*الثالثة مرحلة المعيشة في الزنازين .
*الرابعة مرحلة المعيشة في المهاجع.

المرحلة الأولى
مرحلة التعذيب الجسدي والنفسي قبل الوصول الى معتقل صيدنايا الأحمر

يبدأ مسلسل التعذيب للمعتقل بعد أن يكون قد ظن واهماً أنه تخلص وانتهى من التعذيب الذي لاقاه خلال وجوده في نظارات الأجهزة الأمنية وأماكن اعتقاله لدى اللجان الشعبية القذرة في ختام التحقيقات معه بالتهم الملصقة به إلصاقاً وأنه سيحال على القضاء وسيتم إيداعه أحد السجون المدنية الذي قد يكون أرحم من تلك النظارات، ولكن يفاجأ المسكين بإحالته (مطمش- مقيّد اليدين للخلف) تحت وطأة السب والشتم والضرب بالأيدي والأرجل وبكل أداة قد تكون بيد عناصر الدورية المكلفة بسوقه الى الشرطة العسكرية ، ليعلم حينها أنه قد أحيل أمام أحقر وأسوء محكمة عرفتها البشرية وهي محكمة الميدان العسكرية والتي لا تحمل بأي وجه من الوجوه أية صفة قضائية إلا من كون اسمها محكمة فقط ،حيث يبدأ من هذه اللحظات التعذيب بكافة أشكاله لغاية التعذيب والإذلال فقط ودونما أية غايات أخرى قد تتعلق بالتحقيق أو ما يقال لتنوير العدالة، ضارباً هذا النظام الفاشي المجرم بإلانسانية وقيمها عرض الحائط ، فيتم ضرب وتعذيب المعتقلين بوسائل عدة ومنها العصي الكهربائية وذلك في بهو وقاعة المحكمة وعلى مرأى من هيئة المحكمة التي تدعي بأنها هيئة قضائية، وهذا ما لم يحدث في أي مكان في العالم سوى عند المجرم ابن المجرم ونظامه .
وبعد أن يعرض المعتقلين أمام تلك الهيئة التي تستجوبهم خلال مدة لا تتجاوز الخمس دقائق وتقرر- وفق قرارات معدة مسبقاً- إيداعهم نظارة سجن الشرطة العسكرية تمهيداً لنقلهم إلى القبر الأحمر معتقل صيدنايا الأحمر، لتبدأ هنا مرحلة التعذيب النفسي و الرعب القاتل ،حيث يوضع المعتقلين في النظارة بأعداد قد تصل الى عشرة أضعاف استيعابها مع انعدام الخدمات فيها ولا سيما التهوية، و يوضع معهم في هذه النظارة أيضاً المعتقلين القادمين من معتقل صيدنايا و يراد عرضهم على المحكمة لأسباب عديدة ، حيث يُصعق المعتقلون الجدد عندما يشاهدون ويجلسون مع المعتقلين القادمين من صيدنايا الذين هم عبارة عن أشباح لا بل أموات يسيرون على الطريق لكثرة ما يعانوه من جوع وعطش ومرض وتعذيب ومعاملة قاسية مهينة وطرق تعذيب مبتكرة من قبل الوحوش القائمين على ذلك المعتقل, ليخيم هنا شبح معتقل صيدنايا الأحمر على المعتقلين الجدد ،ويقعون تحت شدة وضغط نفسي لا يوصف مما يرتقبهم في ذلك السجن، وما ستؤول إليه أحوالهم بعد ما رأوه من حالة المعتقلين هناك وما سمعوه منهم عن الظروف والأوضاع البائسة في ذلك المعتقل والتي لا يمكن أنصفها إلا بأنها بيئة خصبة للموت المرير البطيء .

 

المرحلة الثانية
مرحلة الوصول إلى معتقل صيدنايا


تبدء هذه المرحلة عندما يحين وقت نقل المعتقلين إلى صيدنايا، أي لحظة خروجهم من نظارة الشرطة العسكرية (مطمشين ،ومقيدي الأيدي للخلف) تحت وطأة الضرب والسب والشتم على غرار ما أصابهم عند نقلهم من نظارات الأجهزة الأمنية إلى الشرطة العسكرية ، حيث يتم وضع المعتقلين بسيارة كبيرة مرتفعة عن الأرض حوالي المتر ونصف المتر لنقلهم إلى المعتقل والتي لا تصلح لنقل البهائم والدواب أساساً، وعندما يدخل المعتقلين هذه السيارة ويتخلّصون من ضرب وسب العناصر المكلفة بسوقهم تباشر مرحلة العصف الذهني والعذاب النفسي بوتيرة عالية لما سيحل بهم بعد قليل في ذلك القبر الأحمر، وذلك لغاية وصولهم إلى صيدنايا، وهي فترة مليئة بالخوف والرعب من التعذيب القادم عليهم متلبساً شبح الموت، وهل سيتحملون ذلك أم أنهم سيسقطون صرعا تحت سياط وعصي السجانين المجرمين, وبراثن الأمراض والأوبئة السارية في ذلك المعتقل ، ويبقى الجميع على هذه الحالة من الخوف والرعب الذي يرعد فرائصهم حتى لحظة فتح باب السيارة والذي يعلو كما أشرنا حوالي المتر ونصف المتر عن الأرض ، ليبدأ مسلسل التعذيب والسب والشتم والضرب من جديد مع الزيادة عليه حيث يصعد العناصر المتوحشون إلى السيارة ويقومون بضرب ورفس ورمي وقذف المعتقلين المطمشين المقيدين للخلف من السيارة إلى الأرض فمنهم من يقع على رأسه، ومنهم من يقع على وجهه، ومنهم من يسقط على ظهره، ومنهم من يسقط على يديه.... ، ليستقبلهم على الأرض أيضاً مجرمين آخرين ينهالون عليهم ضرباً بالأيدي والأقدام والعصي و الكرابيج على كافة أنحاء أجسامهم لإلحاق بالغ الأذى بهم وتشويههم وموتهم إن أمكن ، و من ثم يقومون بشحطهم مع ما يحملونه من أغراض- فيما إذا كان مع أحد المعتقلين شيء- لمسافة "30-40م" تقريباً و إدخالهم إلى بهو في بناء ، و يتم صفهم و وضعهم بوضعية السجود وهم مطمشون و مقيدون ، مع سيل عارم من الأوغاد الذين لا يزالون مستمرون بالضرب و الرفس و التدعيس على رؤوسهم لغاية استلامهم على الورق من دورية الشرطة العسكرية التي ساقتهم إلى ذلك المعتقل القذر، و بهذا تنتهي المرحة الثانية من المأساة التي يكابدها معتقلو صيدنايا بوضع يرثى على حالهم و يندى له الجبين بين جريحٍ و مكسورٍ و مشوهٍ .

 


المرحلة الثالثة
مرحلة الزنازين


* بدايةً نوضح بأن الزنزانة في ذلك المعتقل السيئ هي من جهة تحت الأرض ومن جهة أخرى النافذة التي بداخلها فوق الأرض ، وهي عبارة عن غرفة مظلمة بدون إنارة، ومقسمة إلى قسمين بنصف جدار :
- القسم الأول بمساحة 180سم*170سم ،ويُحرّم على المعتقلين التواجد فيه مطلقاً.
- والقسم الثاني عبارة عن تواليت بمساحة 180سم*80سم، وهو مكان إقامة المعتقلين في الزنزانة .
ويفرض على المعتقلين المعيشة في المساحة الداخلية " القسم الثاني" من الزنزانة آكلين وشاربين ونائمين مع قضاء حاجتهم فيه ، والذي هو عبارة عن تواليت ليس إلا كما أسلفنا طيلة مدة وجودهم فيها .
* وبعد أن يتم استلام المعتقلين من دورية الشرطة العسكرية يتم شحط المعتقلين مطمشين وأيديهم للخلف على شكل صف مترابط ببعضه البعض وحولهم القتلة من كل حدب وصوب يثابرون على ما هم فيه من إيذاء وضرب وسب وشتم للمعتقلين لغاية وصولهم إلى بهو آخر، حيث يتم صفهم بوضعية الشخص الجاثي على ركبتيه والوجه ملاصق للجدار ، ليبدأ من جديد السجانين القتلة أعمالهم القتالية التي يتباهون بها بين بعضهم البعض من حركات دنيئة كالرفس والخنق ....ضد المعتقلين الذين لا حول لهم ولا قوة، والسجانين الأوغاد بقمة النشوة والسعادة لما يقومون به بحق المعتقلين ، وفي خِضمّ هذه المعمعة يتم النّداء على كل واحد من المعتقلين ليتقدم تحت الضرب والشتم إلى عدة أشخاص يسمع أصواتهم ليستلموا منه الأمانات ، وهنا يظهر للعالم أي نوع هم هؤلاء السفلة ، حيث من كان معه صورة لعائلته أو لابنته أو....، يبدؤون بالتشهير بها بالكلام البذيء اللاذع ضدها، فضلاً عن بعض الحركات الغير أخلاقية حيال هذه الصورة ، ويتجلى للعالم أيضاً أمانة أتباع النظام عندما يسألون المعتقل عن المبلغ الذي معه فيقول لهم أنه بحوزته عشرة آلاف ليرة سورية ، فيقولون له تحت وطأة البوط العسكري أنت معك خمسة آلاف ليرة فقط ، وبهذه الحالة يقول المعتقل نعم نعم أنا معي خمسة آلاف فقط، وهكذا يقتطعون من واحد النصف، ومن ثاني الثلثين، ومن أخر كامل المبلغ....، وبانتهاء السجانين من سرقة الأمانات يساق المعتقلون لينزلوا أدراجاً في طريقهم إلى الزنازين ، وبوصولهم إلى بهو الزنازين يبدأ مسلسل الرعب والتعذيب على أعلى المستويات ، حيث يتم إلزام المعتقلين بخلع ما عليهم من ثياب ليصبحوا حفاةً عراة ،وبهذه الحالة تباشر عمليات الجلد بالسياط والعصي على كافة أنحاء الجسم حتى قد تصل حصة المعتقل لـ /100/ أو /400/أو ......ضربة ،ومن ثم يتم حشر المعتقلين كل تسعة أو عشرة أو حتى أربعة عشر معتقلاً في الزنزانة الواحدة (أي في التواليت المنوه عنه ) وهم على تلك الشاكلة ، وبعد أن يتم إقفال أبواب الزنازين تتلى على المعتقلين تعليمات (الإقامة في معتقل صيدنايا الأحمر)، وهي :
1-التعريف بقدر المعتقل :أنتم أيها المعتقلون عندنا هنا برسم الموت .
2-البوط العسكري أحسن وأشرف منكم .
3-يحرّم عليكم مغادرة التواليت ليلاً ونهاراً .
4-عدم ارتداء الملابس والبقاء حفاةً عراة .
5-الكلام ممنوع وعدم إصدار أية همسة أو حركة .
6- عدم إغلاق النافذة في الشتاء ، مع العلم بالبرد القارس والثلوج المتساقطة في صيدنايا .
7-عدم القيام بأي عمل (استيقاظ – نوم – تناول طعام -...) إلا بإيعاز من السجان.
8-على كافة المعتقلين عند سماع دعسة البوط العسكري تقترب من باب الزنزانة الالتصاق بالحائط وأخذ وضعية الشخص الجاثي على ركبتيه والوجه للحائط واليدين على العينين.
9-الصلاة ممنوعة منعاً باتاً ، ومن يُشاهد أو يُعلم أو يُشعر بأنه كان يصلي فكما يقال ياويله ويا سواد نهاره وليس ليله فقط .
ومن هذه اللحظات يستوطن الذعر والرعب في نفوس المعتقلين طيلة فترة وجودهم في هذه الزنازين ، والتي لايعرفون المدة التي سيقضونها فيها والتي قد تمتد إلى أشهر أو أكثر، وفق برنامج تعذيب يومي كما يلي :
أ‌- يبدأ الضرب والتخبيط على الأبواب والصراخ من قبل السجانين منذ بزوغ الفجر ليبدأ المعتقلون ترقب ما قد يلم بهم من أهوال حتى يأتي دور فتح باب زنزانتهم( والذي قد يكون بعد ساعات طويلة من ذلك الضرب والتخبيط )، ليرمى ويسفح الطعام على أرض الزنزانة ضمن وعاء واحد مخلوط فيه على قلتها المواد العلفية ( الغذائية ) من زيتون و رز أو برغل مسلوق وليس مطبوخ ، إلى شيء لا يذكر من المربى أو الخضار أو الفواكه الرديئة إن وجدت مع بعض الخبز اليابس العفن ، والتي جميعها لا تكفي لشخصين أو ثلاثة على الأكثر ، ويتمنى المعتقلون بقائهم دون طعام على أن يفتح عليهم باب الزنزانة لأنه مع فتح هذا الباب لوضع ذلك العلف الذي الحيوانات تتأفف منه يتم إنزال أشد أنواع الضرب والتعذيب بحق المعتقلين جملةً وفرادى ، ويتم إخراج بعض المعتقلين أيضاً خارج الزنزانة ممن يودون الانتقام منهم بحسب انتمائهم المناطقي كلاً حسب ارتفاع حدة وتيرة الثورة بمنطقته آنذاك ، ليعودوا بعد فترة غير معروفين الشخصية لكثرة ما لاقوه من ضرب بالعصي الكهربائية والسياط وبالأيدي والأقدام على الوجه والأماكن الحساسة خاصةً ، بالإضافة لحرق أجسامهم بأعقاب السجائر ، والقصد كل القصد إنهاء حياة المعتقل أو إحداث عاهة دائمة له على الأقل ، باعتبار أن المعتقلين قد اقترفوا الكبيرة بمعتقد هؤلاء وهي المطالبة بإسقاط النظام ورأسه بشار الأسد.
ب - إبقاء الطعام القليل الرديء أمام أعين المعتقلين دون أن يستطيع الميت من الجوع (كما يقال ) أن يمد يده عليه حتى يسمع الإيعاز من السجان الحقير بتناول الطعام، وقد يقدم الطعام في الصباح ولا يعطى الإيعاز إلا في جوف الليل أو في اليوم التالي .
ج - المرور بجانب الزنازين أو الصراخ على أحد المعتقلين أو إخراج أحد من الزنازين ليتسلى به هؤلاء القتلة في أوقات مختلفة من اليوم، بحيث يبقى المعتقلين على مدار اللحظة في حالة توتر وخوف ورعب دائمين من أن تقتحم تلك الوحوش القذرة زنزانتهم ويقع أحدهم فريسةً بأرجل هؤلاء القتلة.
لتستمر حياة المعتقلين البائسة على هذه الحال طيلة الفترة التي يقيمون فيها ضمن تواليت الزنزانة المذكورة ، ولكنّ وساخة السجانين المجرمين تأبى عليهم إلا أن يطعّموا حياة هؤلاء المعتقلين بأساليب تعذيب أخرى مخافة أن يشعر المعتقل بالملل والضجر من الروتين اليومي لمسلسل الخوف والرعب الذي هم فيه، حيث فضلاً عمّا ذُكر :
1ً- يتم قطع الماء عن المعتقلين بين الحين والأخر حتى قد تصل لأن يبقى المعتقلون دون ماء خمسة أيام أو أكثر، وتصور يا أخي يا رعاك الله ويفرّج عنا وعن جميع الأسرى والمعتقلين حال هؤلاء المعتقلين البؤساء الذين يعيشون في ذلك التواليت (آكلين – شاربين – نائمين ) دون ماء عند تغوطهم ، ودون وجود أية وسائل أو مواد للنظافة ، ومع انعدام الرعاية الصحية ، فماذا ستكون الحالة التي هم عليها، فضلاً عن الأمراض التي تطوف بهم جراء ذلك وما يتجرعونه من ألم ووجع جسدي ونفسي.
2ّ- يتم فتح الطاقة (الشراقة)التي في باب الزنزانة تحت ذريعة وجود همس أو حركة وانتقاء أحد المعتقلين لتتم عملية خنقه بواسطة سلك يُمد من الطاقة ويلفه السجان الحقير على رقبة المعتقل ويشده ليصل به لدرجة الموت ثم يتركه ويعاود الكرة عليه أكثر من مرة .
3ّ-في الشتاء القارس الشديد البرودة يتم إغراق الزنزانة بالماء البارد .
الأمر الذي يجعل اليوم في ذلك المعتقل وكأنه سنة، حتى كنا نظن بأنه لن ينقضي أبداً .

 

المرحلة الرابعة
مرحلة المهاجع

 

* بدايةً نوضح بأن المهاجع تتوزع على طوابق المعتقل الأحمر الثلاث التي هي فوق الأرض ، فالمعتقل على شكل إشارة المرسيدس ، أي له ثلاثة أذرع، وكل ذراع مؤلف من ممرين (كريدورين) ، و يطل على كل كريدورعشرة مهاجع ، ومساحة المهجع /45م/ تقريباً ، وضمنها منافع ( عبارة عن مغسلة وتواليت ومكان للاستحمام بالماء البارد حال توافره ومجهزة بخزان ماء صغير، ولها منور ) مساحتها حوالي (5م ) .
وقد كان يتم وضع حوالي /31/ معتقلاً في المهجع الواحد تقريباً ، وذلك خلال فترة اعتقالي ، وكان يحظّر على المعتقلين الاقتراب من باب المهجع على مسافة مترين أو ثلاثة أمتار منه ( الباب ضمن قضبان حديدية على عرض المهجع البالغ حوالي /5م/ وضمن الباب طاقة / شراقة / )، وعليه يبقى من مساحة المهجع التي يجب أن يعيش فيها المعتقلين طيلة مدة وجودهم في صيدنايا والتي قد تمتد لسنوات عجاف طويلة مساحة حوالي /20-25م/ فقط .
* وعليه عندما تنتهي مرحلة الزنازين ويحين الوقت لنقل المعتقلين من الزنازين إلى المهاجع، ومع شدة ما سيلاقونه فيها أيضاً إلا أن ذلك يعتبر بالنسبة لهم بارقة أمل بأنهم مازالوا أحياء .

وفي هذه الأثناء يتم إعلام المعتقلين بأن يرتدوا ملابسهم التي اشتاقوا لها، وأن يضعوا كنزاتهم في رؤوسهم، وأن يمسك بعضهم ببعض وفق وضعية الركوع (منحنين) ليتم شحطهم إلى المهاجع المقرر وضعهم فيها ، وذلك ضمن صفين من السجانين التي تنقض على المعتقلين كالذئاب الجريحة والضباع المفترسة بالضرب المبرح بالعصي الخشبية والبواري المعدة للتمديدات الصحية (خضراء اللون)على كافة أنحاء الجسم لإيقاع أكبر أذى ممكن بهم ، وذلك حتى وصولهم إلى المهاجع المخصصة لكل منهم ، وبعد حشر المعتقلين في المهاجع التي فرزوا إليها يبدأ على الفور مسلسل التعذيب والخوف والرعب الخاص بهذه المرحلة (وكأننا في سباق تتابع للتعذيب الجسدي والنفسي لا يفتر ولا ينقطع ولا ينتهي مادام المعتقل في ذلك القبر الأحمر ).
و يبدأ التعذيب بعمليات النظافة المدعاة من قبل السجانين الأوغاد بتجميع المعتقلين فوق بعضهم البعض ، و رشهم بمساحيق الغسيل والجلي والكلور والماء البارد تحت وطأة الضرب الشديد والسب والشتم ، ومن ثم وقبل إغلاق باب المهجع يذكّر السجانين الأوغاد المعتقلين بالتعليمات سالفة الذكر بالزنازين ، و أنها هي ذاتها المطبقة في المهاجع أيضاّ، مع بعض الفوارق لجهة:
1-إمكانية ارتداء الملابس .
2-إعطاء المعتقلين بطانيات عسكرية قليلة لا تفي للغاية المخصصة لها، لاستخدامها عند النوم فقط ، وعلى المعتقلين رفع هذه البطانيات ولفها ووضعها بوسط المهجع منذ بزوغ الفجر لحين إعطاء الإيعاز بالنوم، ليقضي المعتقلين طيلة ذلك الوقت على البلاط وهم حفاة .
3- إعطاء المعتقلين بعض مواد التنظيف القليلة والسيئة من جهة, والتي يتم اقتطاع ثمنها بأكثر من قيمتها الحقيقية بأضعاف مضاعفة من نقود المعتقلين المودعة بالأمانات وفق ما بيناه بهذا الشأن سابقاً .
4- المهجع منار، ومجهز بالتهوية التي تستخدم كعقوبة شديدة في أيام البرد القارس .
لتستمر حياة المعتقل البائسة مع تلك التعليمات ومنهاج التعذيب الذي لا حياد عنه في ذلك المهجع على غرار معيشته في تلك الزنزانة القذرة ، بالإضافة لطرق وأساليب جديدة في التعذيب يطبقها أولئك الحثالة بحق المعتقلين، حيث:
أ‌- يقوم السجانين بعد قذف الطعام (الذي لم يتغير نوعه ولا رداءته ولا قلته) داخل المهجع ، وضرب وتعذيب المعتقلين الذين خالطت دمائهم أرضية المهجع ، وإقفال باب المهجع ، بجلب الخبز المخصص ليومين أو ثلاثة أيام ووضعه أمام الباب في الهواء الطلق حتى يصبح يابساً فضلاً عما فيه من عفونة ، ولتتناول الفئران القاطنة بالممر حصتها من هذا الخبز أولاً ثم ليرمى به في اليوم التالي للمعتقلين
ب‌- حفلة الاستحمام: يقوم السجانين حوالي كل شهر أو أكثر بأخذ المعتقلين إلى الحمامات للاستحمام بالماء الساخن، و يكون الذهاب لتلك الحمامات - والتي هي بأحد الطوابق- والعودة منها، بدون ثياب سوى ما يستر العورة ، تحت وطأة الضرب القاسي بالعصي والكرابيج مع السب والشتم، ويتحمل المعتقلين كل ذلك في سبيل أن يعمدوا لتنظيف أجسامهم من الأدران و الأوساخ التي ألمت بهم ، ولكن بدخولهم تلك الحمامات، والتي هي عبارة عن أدواش يتم وضع كل أربعة أو خمسة معتقلين تحت الدوش الواحد للاستحمام، و يعطى الإيعاز بفتح صنابير مياه الأدواش ليفاجأ المعتقلين بالماء المغلي يُصب عليهم والذّي لا يستطيع أي إنسان أو حيوان أن يتحمله لتبدأ من جديد عملية ضرب المعتقلين بالعصي على رؤوسهم وكافة أنحاء أجسامهم لإرغامهم على البقاء تحت ماء النار تلك ، لتدوم عملية السلق هذه حوالي العشرة دقائق دون أية فائدة منها سوى تعذيب المعتقلين وحرقهم بالماء المغلي .
ج- بالإضافة لكل ما سبق فإنه كما يقال كل ذلك بكفة وأن يأتي ذوي أحد المعتقلين لزيارته بكفة أخرى ، ولئن كانت زيارة المعتقل هي بمثابة فسحة يروّح بها عن نفسه إلا أنها في صيدنايا العكس فهي بمثابة الطّامّة للمعتقل ، حيث من تأتي زيارة له وخاصة من هو في الطوابق العليا فإنه ينادى على اسمه ويفتح باب المهجع لإخراجه لزيارة أهله فيأخذ من المهجع مطمشاً بكنزته (أي كنزته برأسه) ويديه على عينيه وفق وضعية الركوع ويشحط على هذه الشاكلة من مهجعه مع الاستمرار بضربه وسبه وشتمه لغاية إدخاله إلى غرفة يجمّع فيها المعتقلين الذين لديهم زيارة ، ويوضع فيها جاثياً مطمشاً ووجهه للحائط ينتظر دوره في الزيارة ، والضرب والرفس مستمرين عليه حتى إخراجه من الغرفة وتوجهه لمكان الزيارة ، وعندها يقال له ارفع رأسك وركز شعرك وثيابك إنك ستزور أهلك وإياك أن تتكلم معهم عما يدور في المعتقل أو عما حصل معك في التحقيق والمحكمة، وليس لك إلا أن تسألهم عن صحتهم وتطمئنهم عليك فقط ، ومن ثم يدخل ليرى أهله وإذا به يفاجئ بأن بينه وبين أهله مسافة حوالي المتر وتفصل بينهما قضبان حديدية وداخلها سجان يتمشى ضمنها ، وسجان آخر يقف بجانبه يسمع حديثه مع أهله ، ولتستمر هذه الزيارة مدة لا تتجاوز الخمس دقائق فقط ، ثم يُعلمهم السجان بأن الزيارة قد انتهت ويباشر بسحبه من أمام أهله ليعود ضمن مسلسل الضرب والتعذيب لغاية وصوله إلى مهجعه، طبعاّ لا ننسى أن نوضح بأن الكثير من الأغراض التي يأتي بها أهل المعتقل لابنهم أثناء هذه الزيارة لاتصل إليه كما هي بل يأخذها هؤلاء القتلة المارقين عديمي الأخلاق والإنسانية ، وعليه كان الكثير منّا يتمنون ألا تأتيهم أية زيارة طيلة مدة وجودهم في ذلك المكان الحقير لما يلحق بهم من أذىّ كبير جراء هذه الزيارة الخاطفة .
د- يتم نشر الأمراض والأوبئة بين المعتقلين عبر الأدوات المخصصة للحلاقة وقص الظافر التي تعطى للمعتقلين كافة وتتناقل بينهم كل شهر أو شهرين حسب الحال لحلاقة شعر رؤوسهم وذقونهم والأماكن الحساسة ، الأمر الذي يهيئ البيئة الملائمة لانتشار الأمراض وتفاقمها بين المعتقلين بشكل كبير وسريع لاسيما مع غياب العناية الطبية من جهة أولى، وانعدام الماء الساخن في المهاجع من جهة ثانية ،وعدم توفر المياه العادية بشكل دائم لغسل وتنظيف الأيدي والتواليت من جهة ثالثة ،مما يجعل المهجع مرتعاً للآفات والهوام والحشرات التي يقع جميع المعتقلين فريستها, وفيما يلي بعض لصور حالات التدهور الصحي التي كنا نعيشها في ذلك القبر الموحش:
1ً- الجرب والقمل والأمراض الجلدية المقيتة المؤذية والمؤلمة المنتشرة بين المعتقلين حدث ولا حرج .
2ً- الالتهابات والخراجات والدمامل التي غطت أجسامنا وما تسببه من آلام وأوجاع تُدمى لها القلوب, بالإضافة إلى الكثير من الأمراض التي انتشرت بيننا ولا نعرف طبيعتها ولا تسميتها ولكن ظهرت أثارها علينا حيث منّا من تفتّح جسمه وأصبحت فيه حفر يتضح العظم من خلالها ، ومنّا من تآكل لحمه ، ومنا ومنا .......
هـ - وبالمقابل وللإنصاف نبين أنه في حوالي أول ثلاثة أشهر من اعتقالي كان يقدم للمعتقلين (الواحد والثلاثين معتقلاً) في المهجع ،حوالي عشر حبات ضد الإسهال وحبة أو اثنتين ضد الالتهاب ، وذلك كل أسبوع أو عشرة أيام ، مع العلم باقتطاع ثمنها أضعاف قيمتها الحقيقية من نقود المعتقلين المودعة في الأمانات، وإعطاء الدواء لمن له دواء بالأمانات من مرضى القلب، وفي ظلّ هذه البحبوحة من الرعاية الصحية المزيفة وعندما كان يأتي السجانين ومعهم من يُفهم بأنه طبيب أو لجنة طبية لتفقد أوضاع المعتقلين كان ينادي أحد السجانين بأنه إذا كان أحد من المعتقلين مريض ليجلس كالمعتاد (جاثياً ويديه على عينيه) ولكن في وسط المهجع بدلاً من ملاصقة الجدار ، وعندما يدخل السجانين ومعهم ذلك الطبيب المزعوم ويقوم هذا الأخير بسؤال المعتقل المريض عن مرضه، الأمر الذي كان يدعونا للحظة للتفاؤل والذي سرعان ما يذهب أدراج الرياح عندما يقدم ذلك المجرم الذي يدعي أنه طبيب والسجانين معه بالانقضاض على المعتقل المريض بالضرب المبرح مع السب والشتم قبل أن ينتهي المعتقل المريض من الإجابة عما يعانيه من آلام وأوجاع ، لينهي الحلقة ذلك المجرم أيضاً بالصياح والصراخ على ذاك المعتقل بأنك وزملائك تستحقون القتل وليس ما أنتم فيه فقط .
و- وللإنصاف أيضاّ لابد من التنويه بأنه تم إحالة بضع منا إلى مشفى تشرين العسكري التابع للنظام الساقط ، الأمرالذي حدا بنا مجدداّ لنتفاءل عسى أن نجد فسحة من الزمن للراحة من العذاب الذي نعيشه على أقل تقدير إذا لم نجد العلاج اللازم لأحوالنا الصحية المتردية ، ولكن هيهات هيهات لهذه الأحلام أن تتحقق ، حيث :
- يساق المعتقل إلى المشفى المذكور من باب المهجع مطمش ويديه على عينيه وفق وضعية الركوع تحت الضرب والسب والشتم .
- بوصوله للمشفى يتم وضعه في نظارة المشفى والتي هي عبارة عن (مزبلة) لغاية عرضه على الأطباء المعنيين ، ليُذهل عندما يعلم بتطبيق النظام المطبّق عليه في صيدنايا في هذا المكان المسمى مشفى ،ولا سيما لجهة الطعام والشراب والنوم ( أي رداءة الطعام وقلته ، ضرب المعتقلين المرضى عند تقديم الطعام إليهم وتقصّد موضع المرض والألم، الاستيقاظ منذ بزوغ الفجر والعمل على رفع البطانية العسكرية ولفها ووضعها جانباً وقضاء طيلة اليوم في النظارة على البلاط ، عدم إصدار أية حركة أو همسة ، الصلاة ممنوعة منعاّ باتاّ ) ، بالإضافة لبقاء المعتقل المريض مطمشاً طيلة مدة وجوده في المشفى ونظارتها .
- يتم إخراج المعتقل المريض من النظارة لقضاء حاجته مرة واحدة في اليوم ، وفي الوقت الذي يناسب السجانين وليس وفق حال المعتقل ، وعليه إذا اضطر لقضاء حاجته خارج ذلك الوقت من استطاع أن يتحمل فعل ، ومن لم يستطع فعلها في ثيابه .
- يسحب المعتقل المريض من النظارة ليعرض على الطبيب ليعاينه فحسب دون اعطائه أي علاج سوى ما يتعرض له من ضرب ولكم من الكادر الطبي المجرم الموجود في المشفى والعناصر المكلفة بسوقه .
ليتضح لنا أننا في مسلخ وامتداد لمعتقل صيدنايا وليس في مشفى - لدرجة أن المعتقلين المرضى أخذوا يدعون ربهم بالعودة لصيدنايا على البقاء في هذا المكان القذر- وأن الغاية من إحالة المعتقلين المرضى إلى ذلك المسلخ لتكون نهايتهم فيه ، إلا من كان في عمره بقية فإنه يُعاد إلى المعتقل بالطريقة التي خرج منها .
وأخيراً أقول بأن ما ذكرته كان غيض من فيض فمسرح الآلام والأوجاع والأمراض والذل والمهانة التي كابدناها على مدار الساعة طيلة مدة الاعتقال والتي لايزال المعتقلون هناك يتجرعونها أقل بكثير مما ذكرت، ويكفي أن أطلب منكم أيها الأعزاء أن تتخيلوا معي الشدة والضغط النفسي الذي يعيشه المعتقلون هناك عندما يلم بأحدهم مرض الموت ويكون باب المهجع قد أُغلق ولا يستطيعون أن يقدموا له أية معونة ، ومفارقة روحه لجسده بين أيديهم، ليتم لفه بالبطانية ووضعه جانباً على هذه الحالة إلى اليوم التالي لحين فتح باب المهجع واقتحام السجانين الفجرة المهجع وإتمام جرائمهم البشعة اليومية بحق المعتقلين ، ويأخذوا معهم المعتقل الشهيد والذي قد لا يخلص هو الآخر من أذاهم .

 

انتهت الشهادة ..

 

المكتب الحقوقي

    تصـويت الموقع

    ماهو الدور الذي مازال يطلبه الشعب السوري اليوم من المجتمع الدولي
  • الاعتراف الحقيقي بالثورة السورية
  • المساعدة المدنية و اللوجستية
  • التدخل العسكري
  • رفع الغطاء عن نظام الأسد

    اشترك بالنشرة البريدية