قصة أبو محمد في سجن حلب المركزي

2013-08-09

  في سجن حلب المركزي آلاف المعتقلين منهم بتهم سياسية وآخرون بتهم جنائية، فشاهدنا في كل مرة يصدر النظام عفوا يطلق به سراح سجناء الجنايات ربما هناك غاية ود النظام الإستفادة منها.  من بين المعتقلين السياسين أبو محمد وهو ناشط وثائر شاء القدر أن يخرج وينجو بأعجوبة ليروي "لأخبار الآن" قصته ومعاناته.

قبل سنة وسبعة أشهر كان الناشط أبو محمد يساهم كرفاقه في الحراك السلمي في حلب، فيقوم بتنظيم المظاهرات ويخرج فيها ثم يلوذ بالفرار هاربا لدى قدوم قوات النظام.

يدرس أبو محمد الصيدلة في سنتها الأخيرة لكنه توقف عن الدوام تضامناً مع اصدقاءه المعتقلين فأعلن إضرابه عن الجامعة.

كانت حياته تسير على هذا النحو مواجهاً إنتقادات البعض لإنه يضيع وقته ومستقبله من أجل أمر لا جودى منه كما قال له البعض.

في تلك الفترة بدأ الحراك الثوري نصف المسلح وهو المقاومة الشعبية التي كانت تعتمد على صد الأمن عند قدومه لقمع المظاهرة من خلال رميهم بالحجارة وبعثرة المسامير على الأرض، ليشكل أبو محمد مجموعته الخاصة التي تعهدت أن تحمي المظاهرات من قمع قوات النظام.

في أحد الأيام وكالمعتاد يقوم أبو محمد مع زملائه في مزرعة في أطراف البلدة بتصنيع قنبلة دخانية مسيلة للدموع مستفيداً من خبرته الدراسية بعد أن أتم كل تجاربه ونجح في صنع القنبلة.

فجأة وبعد أن كان الليل يطغى عليه السكون ولا صوت إلا صوت الرياح التي تلاعب الشجر سمع من كان في الغرفة أصوات حركة أقدام مريبة !! .. علامات القلق ظهرت على وجوه الجميع دون أي تعليق من أحد، ومن ثم أصوات رصاص في تلك الأثناء تأكدوا أن قد كُشف أمرهم ما هي إلا دقائق حتى تم إقتحام المزرعة بالعشرات من قوات النظام.

مباشرة تم تحويلهم إلى دمشق للتحقيق وبعدها إلى حلب ليستقروا في سجن حلب المركزي ومن هنا تبدأ القصة التي يرويها أبو محمد !!

"أكلت قتل خير الله بالشام حتى اعترفت يلي بدن ياه وشو ما بدهم قلهم إى إى المهم أخلص من القتل والضرب ومع هيك يضل يضربني حتى حولوني لحلب قلت خلص رح ارتاح بس انصعقت وقت شفت السجن!".

هذه كلمات أبو محمد يصف فيها اللحظة الأولى لدخوله السجن! .. لا طعام ولا شراب ولا كهرباء، رائحة العفن والنتانة في كل مكان حتى أنني كنت أشم رائحة بول في كل مكان كنت أتسائل كيف لي أن أبقى هنا وأبقى حياً؟ أنا سأموت لا شك" يقول في نفسه.

كان جميع من في الغرفة التي لا تكاد تسعنا واقفين فكيف ونحن جالسين وجميع من فيها بجرم الإرهاب المدعوم من الخارج !.

سألت أحدهم كيف لي أن آكل !! قال لي بسخرية أصمت وإستشهد معنا فنحن الآن لسنا أحياء بل أموات لا فرق بيننا وبينهم بشيئ إقنع نفسك أنك ميت وستعيش بدون طعام صدقني !! لأنك ستموت لو فكرت في الأمر كثيراً فكل عدة أيام لتصل لنا معلقة برغل لا تشبع قطة !

أمضيت ليلتي أفكر وفي اليوم التالي علمت أن هناك زيارات كل خميس لا يحق للزائرين إدخال طعام أو شراب، لكن مع رشوة الأمن كل شيئ ممكن فكل عائلة تدخل لإبنها قليلا من الطعام المهرب يقوم بتوزيعه على زملائه .. الغريب أن الشموع يتم إدخالها بأعداد كبيرة ليس للإنارة بل لطهو الطعام و الشاي !! .. سألته مستغرباً هل حقاً تشربون الشاي داخل الزنزانة؟ لماذا وأصلاً لا يوجد طعام.

أجابني : كي أتذكر أنني بشر وهناك فرق بيني وبين الحيوان !!!

جواب أذهلني ولعثمني فقلت له تابع لي سرد القصة ..

بالفعل كنت ميتا لا شك و كنت أقرب لحياة الحيوان، فأحاول تذكر أنني إنسان بين الحين والآخر !! .. بعد فترة تم تحويلي إلى زنزانة أخرى والمفاجأة أنني إلتقيت بأصدقائي الذين تم إعتقالهم معي وفي تلك الأيام يبدو أن الثوار بدأوا بمحاولة التقدم بإتجاه سجن حلب المركزي، وهنا جن جنون العناصر داخل السجن وبذلك لم يتبقى زيارات ولا طعام ولا أي شيئ ولا حتى الذهاب للحمام او للخروج للتنفس.

كانت الفرحة تغمر قلبي عندما أستمع لأصوات الإشتباكات، أقول لنفسي هناك من وضع روحه على كفه لينقذنا أقول لصديقي لم تنسانا الثورة أبداً إستمع فالحرية إقتربت.

عندما تنقطع الإشتباكات أشعر بيأس لا يوصف !

بعد عدد من الأيام إشتدت قوات النظام وحشية، وبدأت مسلسل القتل العشوائي كل من يطلب الطعام او الشراب أو اي شيئ يقتل فوراً، وهذا ما حدث مع زميل زنزانتي عندما قال للسجان أنه مريض و يموت فقال له إذن خذ الدواء وأصابه بطلقه برأسه.

عداك عن العناصر التي يعدمونها و يتهمونها بالعمالة قائلين لهم "هي حقك يا منشق حقك رصاصة يا ... " و تبدأ الشتائم. 
أنا متأكد عندما سيتحرر السجن سنجد كثيرا ممن أعدموهم مدفونين في ساحات السجن. 

تأكدت أنهم ليسوا بشر بل هم من آكلي لحوم البشر لا خيار آخر.

مر أسبوع بدون أي قطعة خبز أو قطرة ماء فلا تسألني كيف كنت حيًا فأنا لم أجد جواباً إلى الآن و الزيارات أصبحت ممنوعة تماماً وهي بالأصل غير متاحة بسبب الحصار.

لم نكن نعرف ما يحصل في الخارج لكن ما نعرفه و كنا على أمل بذلك أن هناك أبطالاً سيخرجونا".

هناك الكثير ممن قضوا حكمهم لكن لم يخرجوهم و من كان يطالب بذلك يعدم فوراً، فكنا نلتزم الصمت في كلامنا ومهما فعلوا بنا نبقى صامدين. 

في يوم كان مشتعلا دخلوا و أخذوا عدة شباب من زنزانتنا وبينهم صديقي و بعدها وصلني خبر إستشهاده و الأسباب كانت مجهولة أما رواية النظام هي أن الجيش الحر قصف المبنى المتواجدة فيه زنزانته الجديدة، كنت أتسآل هل حقاً إقتنعوا بتلك الرواية !!!

وصل حال السجناء إلى درجة الموت الأكيد فأكثر من أسبوع لم نأكل أي شيئ فسعمنا أن الهلال الأحمر يحاول الوصول إلينا لإيصال مساعدات وطعام لكن مقابل أسرى حسب شروط  الفصائل المقاتلة المحاصرة للسجن. 

اضطر النظام إلى قبول المفاوضة فكان أول ثلاثين مرشحا معظمهم نساء وكنت أنا بينهم حسب طلب الفصائل المقاتلة.

طلبني أحد الضباط وأمضى ليلة وهو يضربني وهو يقول "بدي ودعك يا ابن الـ "

لا أملك كلمات لوصف الموقف !!

في  الصباح دخلت سيارات الهلال الأحمر محملة بالطعام و أخذتنا بعد إفراغ الطعام من السيارات لم أستطع فتح عيني لساعات حتى وصلت لمكتب، أول ما شاهده علم الثورة الذي لم أشاهدة منذ شهور يكاد قلبي ينفجر فدمعت عيناي والمكتب ممتلئ بشعارات إسلامية رائع. 

سألني ما تهمتك و إسمك فأجبت فقام و قبّل رأسي و طلب من الشباب المتواجدين إيصالي لمنزلي.

حقيقة أنا تأكدت أنني مازلت سجيناً من سجن صغير إلى أكبر مادام لا يزال هذا النظام يحكم، سنبقى بسجنهم حتى نحرر بلادنا، يؤكد أبو محمد.

ما شاهدته بداخل السجن لا أستطيع نسيانه ما حييت .. آهات الجرحى والمعذبين والمنكلين .. أصوات النساء المغتصبات .. صراخ المراهقين المعتقلين !!!.

إنها دكتتورية دموية لا تفرق بين أحد.

للحظة ما لم أعد أستطيع تمييز نفسي عن الحيوانات .. أتمنى أن أموت لكن لا أجد للموت سبيلا !

ها أنا في منزلي جالس من دون قلب لأن قلبي رفض مغادرة تلك الزنزانة حتى خروج جميع رفاقي، لم أفرح لإنني طليق حر، فكل أمهات المعتقلين هن أمهاتي .. أرجوكم لا تنسوا المعتقلين .. لا تنسوهم ... أصدقائي سأعود إلى محيط السجن مقاتلاً بعد أن تشفى جراحي إما أن استشهد أو ننتصر.

كلمات أبو محمد التي لم تخرج من فمه بل تكلمها قلبه الموجود في السجن إلى الآن وسمعت صدى كلامه إلى هنا.

هناك الآلاف من أبو محمد داخل الزنزانة ينتظرون عوناً من الله وفرجا قريبا .. وإلى الآن الفصائل المقاتلة تحاول تحرير أكبر عدد ممكن من الأسرى تزامناً مع محاولة السيطرة على السجن .


ثائر الشمالي  - حلب - خاص لقناة الآن  . 

    تصـويت الموقع

    ماهو الدور الذي مازال يطلبه الشعب السوري اليوم من المجتمع الدولي
  • الاعتراف الحقيقي بالثورة السورية
  • المساعدة المدنية و اللوجستية
  • التدخل العسكري
  • رفع الغطاء عن نظام الأسد

    اشترك بالنشرة البريدية